StatCounter





View My Stats

samedi 28 novembre 2015

المخدرات .. و الاختبارات
02-12-1433 11:44
أيام حاسمات يعيشها الطلاب والطالبات مثقلة بهموم الامتحانات والاستعداد للاختبارات .إنها أيام الحصاد وجني الثمار، المجتهد يفوز بثمرة عمله يوم أن اجتهد وثابر وسهر وتعب ، ويتجرع الكسول مرارة تقاعسه ، يوم أن توانى عن المذاكرة وتقاعس عن الحفظ ممنَّياً النفس بأن تكون الأسئلة سهلة والاختبارات يسيرة ، مسترسلاً في وهم كاذب ينتهي به إلى الإخفاق والفشل ، وفاته أن من جاع أكل ليشبع ، ومن عطش شرب ليروى ، ومن تعب نام ليرتاح ، ومن أراد النجاح درس وذاكر وجد واجتهد ، ومن جد وجد ومن زرع حصد . وكما قال الأول : تريدين إدراك المعالي رخيصة ولا بد دون الشهد من إبر النحل وقبل دخول قاعة الامتحان يحسُن بكل طالب أن يسأل نفسه : لماذا أدرس ، وما هو الهدف من المذاكرة ، ولماذا أتحمل كل هذا التعب والمشقة؟.هل الدراسة هي للتباهي بين الزملاء والأقران ، أم لأن الدراسة وسيلة للحصول على الوظيفة والعمل؟.أم لأنها تؤهلني لأن أكون لبنة بناءة من لبنات المجتمع ؟. وهل يليق بي كمسلم أن أهتم بشأني فقط متناسياً هموم أمتي والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم "؟. وعلى كل طالب وطالبة أن يجتهد في المذاكرة والأخذ بأسباب النجاح، وأن يجتهدوا في الدراسة ، وأن يصبروا على ذلك ، فإن تعبوا اليوم فغداً راحة كبيرة عندما يحزن الكسالى لكسلهم، ويفرح الفائزون بفوزهم ، فمن شبع اليوم جاع غداً ومن جاع يوماً شبع بعده ، ومن لزم الجد والمذاكرة فاز وأفلح ومن طلب العلا سهر الليالي . وليس من أسباب النجاح توهُّمُ بعض الطلاب أن تعاطي الحبوب المنشطة يقوي الذاكرة ويمد الجسم بالطاقة والحيوية ، فهذه مصيدة يستغلها بعض ضعاف النفوس ومروجي السموم لنصب شراكهم للطلاب بإقناعهم أن حبة أو حبتين من (الكبتاجون ) تقويهم على المذاكرة والحفظ ، والحقيقة أن من يستجيب لهؤلاء بدأ مشوار الإدمان الطويل الذي قد ينتهي به إلى السجن أو الهلوسة أو الجنون أو الموت المفاجئ . ولقد بدأ المفسدون بالاستعداد المبكر لموسم الترويج ، لكن توفيق الله وعنايته مكنت الأجهزة المختصة من ضبط أعداد كبيرة من الحبوب المخدرة قبل وصولها إلى السوق لتفتك بالأبرياء من الطلبة والطالبات.فقد تمكن رجال مكافحة المخدرات من كشف عصابات محلية وضبط مواد مخدرة تقدر بمئات الملايين من الريالات ، وفي آخر حصيلة تم الكشف عنها قبل أسبوعين ، أعلنت وزارة الداخلية عن إلقائها القبض على 362 متهما بالتورط في تهريب وترويج المخدرات، وذلك عبر عدد من العمليات التي تم تنفيذها في شهري ذي القعدة وذي الحجة من العام الهجري المنصرم 1432 ، شهدت 31 عملية منها "مقاومة مسلحة"، أصيب على أثرها 7 من رجال الأمن وأحد المروجين . وضبطت السلطات الأمنية، طبقاً لبيان كشفت الداخلية عن تفاصيله، كمية من المخدرات، تقدر قيمتها السوقية بـ866.7 مليون ريال. وبلغ إجمالي ما تم ضبطه من المواد المخدرة والمؤثرات العقلية في هذه العمليات ما يلي :4كيلوجرامات و832 جراماً و900 مليجرام من الهيروين الخام.5 أطنان و819 كيلوجراما و52 جراماً من الحشيش المخدر.4 ملايين و920 ألفاً و945 قرصا مخدراً.كما تم ضبط مبالغ مالية نقدية في حوزة المتهمين بلغ إجماليها 12 مليوناً و867 ألفاً و276ريالا سعودياً. هذا فقط ما تم في الفترة القريبة الماضية ، فما بالنا بحجم المضبوطات على مدار العام ، وما بالنا بما دخل ولم يتم ضبطه؟، لا شك أن الأمر مهول ويبعث على الحذر لشديد والاحتياط الأكيد . إن حجم الكميات المضبوطة وتوقيت تهريبها يؤكدان أن الطلاب هم الهدف الأول ، في مخطط يهدف إلى تدميرهم ، فضلاً عن الفشل الدراسي والدمار الأسري والانحراف الأخلاقي والإخفاق الاجتماعي.إن مادة الكبتاجون فضلاً عن كونها مادة مخدرة ، فإن أضرارها الصحية في غاية الخطورة لأنها تحتوي على مادتين هما (الأفدرين) و(الأنفيتامين) ودمجهما سوياً يؤدي إلى إصابة المتعاطي بحالة من الجنون. فقد أكد تقرير طبي أن 48% من متعاطي حبوب الكبتاجون قد يصابون بإعاقة عقلية مستديمة . ويؤكد أخصائيو الطب النفسي أن حبوب الكبتاجون قد تسبب الوفاة المفاجئة ، فالكبتاجون من المواد المنبهة للجهاز العصبي ويسبب استعماله زيادة في الحركة والنشاط والاستيقاظ لساعات طويلة وأن التوقف عن تعاطيه يصيب الإنسان بالاكتئاب والخمول والكسل والنوم لساعات طويلة. كما أن استعمال جرعات عالية منه تؤدي إلى الإصابة بجلطات القلب، كما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم المفاجئ الذي يصيب المخ بنزيف يسبب الغيبوبة والوفاة ، وقد ينتج عن استعمال جرعات عالية من الكبتاجون الإصابة بنوبات صرع وغيبوبة. هذا شيء من آثار الكبتاجون الصحية القاتلة ، ولم يقف الأمر هنا بل إن الأخصائيين يؤكدون أن التحاليل أثبتت أن العقل الذي ينبه بالمنشطات تبلغ درجة تحصيله العلمي (صفر) وهذا يؤكد أن الاعتقاد بأن الحبوب المخدرة تنشط الذاكرة هو وهم لا حقيقة له . ومن هنا فإني أوصي الآباء والأمهات بضرورة الانتباه الشديد هذه الأيام لئلا يقع الأبناء والبنات فريسة الإدمان من حيث لا يشعرون بسبب تعاطي الحبوب المنشطة ، فلمتعاطي هذه السموم أمارات وعلامات منها : السهر المفرط ، احمرار العينين، عدم التركيز الجيد ، قلة الشهية ، إضافة إلى تغييرات أخرى سيشعر بها الوالدان لو أحسنا الانتباه لتصرفات الأبناء. ولا يجب أن نكتفي بما يقوم به رجال مكافحة المخدرات ونتكل على جهودهم ، بل الواجب أن نكون على يقظة وحذر من كل مروج ومهرب وبائع لهذه السموم ، لأن حماية العقول من عبث العابثين وتخريب المخربين واجب الجميع ، ولذا حرص أعداء هذه البلاد على إفساد شبابها ونحر عقولهم، وقد ظهرت محاولة إفسادهم لشباب المسلمين بضرب كل ميدان ومرفق، بغزو نشطٍ ومكثف من جميع الاتجاهات، ومن كل النواحي الثقافية والأخلاقية والفكرية.ولعل سلاح المسكرات والمخدرات الذي تفننوا في إرساله إلى مجتمعنا بشتى الصور ومختلف المسميات من أكبر الأخطار المحدقة بنا لأنها تستهدف ديننا وأخلاقنا ومواردنا واقتصادنا ونسيجنا الاجتماعي وأمننا .وليس هذا الكلام من المبالغات ولا من باب التعبئة النفسية والتحفيز المعنوي بل هو حق وواقع ، يتجلى ذلك في أبعاد عديدة : ـ أولها البعد اجتماعي ، لأن تعاطي المخدرات يؤثر على الحياة الاجتماعية تأثيرًا سلبيًا، فانشغال المتعاطي بالمخدر يؤدي إلى اضطرابات شديدة في العلاقات الأسرية والروابط الاجتماعية. فكم مزَّقت المخدرات والمسكرات من صِلات وعلاقات، وفرقت من أُخُوَّةٍ وصداقات، وشتَّتت أسرًا وجماعات، وأشعلت أحقادًا وعداوات، كما قال تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ} وإن جوًا تنتشر فيه هذه الأدواء والمهلكات لهو جوّ يسوده القلق والتوتر، ويخيم عليه الشقاق والتمزق. ـ ثانيها البعد الأخلاقي ، لأن الذي يلقي بنفسه في سموم المسكرات يسهل عليه أن يبذل كل غالٍ ونفيس، ويضحي بكل عزيز من أجل الوصول إليها والحصول عليها، حتى ولو كان ذلك من أضيق المسالك وأخطر الطرق، فقد يسرق أو يختلس ، وربما وصل به الأمر إلى التخلي عن كثير من القيم والأخلاق في سبيل الحصول على المخدر . ـ ثالثها البُعد الصحي ، لأن من يسير في هذا المسلك الوعر تضعف قواه الجسدية والعقلية، ويعجز عن العمل لينقلب عالة على المجتمع ، وقد ينتهي به الحال إلى الإعاقة الكاملة أو التشوه، بعد أن يفقد كل مميزاته الإنسانية من عقل وخلق ، ومقوماته الاجتماعية من عمل مثمر أو وظيفة نافعة أو صناعة رابحة، كما يفقد أهله وعشيرته وأصدقاءه، وفي ذلك ضياع للفرد الذي هو كيان الأسرة ولبنة في قيام المجتمع، وإذا فقدت الأسرة كيانها حل بِها التمزق، فيصبح بناء المجتمع هشًا ضعيفًا، لا يستطيع أن يقف أمام العواصف المعادية والتيارات الوافدة، ويصير فريسة سهلة لأي عدو يتربص به الدوائر.ـ رابعها البعد الاقتصادي ، فالأضرار الاقتصادية الناجمة عن تعاطي المخدرات كبيرة جدًا ، ذلك أن مدمني المسكرات والمخدرات يشكلون عائقًا كبيرًا في طريق التنمية والتقدم الاقتصادي، إذ يصبحون عبئًا ثقيلاً على عاتق الدولة بما يهدرون من ثروات في أيديهم ، فضلاً عن عدم الجدوى الوظيفية، فلقد أثبتت الدراسات التي قام بِها الباحثون المتخصصون أن تعاطي وإدمان المخدرات يؤثران على إنتاجية الفرد في العمل، من خلال ما يطرأ على الفرد من تغييرات نتيجة للتعاطي والإدمان، وأن هذا التأثير يشمل كَمَّ الإنتاج وكيفَه ، إضافة إلى تكلفة الجهود التي تبذل لمكافحة تهريب وترويج وتعاطي المخدر من حيث تخصيص إدارات مهمتها مكافحة المخدرات والقضاء عليها، وما يتبع ذلك من إنفاق الأموال الطائلة عليها، وتكليف الكثير من الكفاءات للعمل بها، وكان يمكن أن توجه تلك الأموال، وأن تصرف تلك الجهود إلى أعمال نافعة ومهام أخرى تسهم في توفير كثير من الخدمات الأخرى للمجتمع ، ثم علاج المدمنين من الإدمان ثم تأهيلهم ليعودوا لبنات صالحة في المجتمع.ـ خامسها وأخطرها البعد الأمني ، فالأمر لا يقف عند حدود القبض على مروج أو مدمن ، بل يتعدى ذلك إلى تحقيق قدر كبير من الأمن بكافة أنواعه الحسي والفكري والاجتماعي ، حيث تشير بعض الدراسات إلى أن انتشار الجرائم وتفشيها في المجتمعات تعود بشكل رئيسي إلى تعاطي المسكرات والمخدرات ، ذلك أن المدمن عادة ما يكون فاشلاً في مجتمعه، عاجزًا عن القيام بأي عمل ينفعه، إضافة إلى أنه يتجرد من الشعور بالمسؤولية، نتيجة تعاطيه لتلك السموم، ومن كان هذا شأنه فإنه سيقدم على طلب المال وتحصيله من أي مصدر، وبأي وسيلة حتى لو استدعى ذلك منه ارتكاب الجرائم بشتى صورها. كذلك فإن تَهريب المسكرات والمخدرات وترويجها وتعاطيها يؤدي إلى تحريك النزعات العدوانية والإجرامية لدى كل من يتعامل معها، فالمهرب لا يتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم في الحصول على منفذ لإيصال ما لديه من سموم إلى المكان المقصود، كما أن المروج لا يتوقف عن ابتكار أسوأ الطرق والوسائل للوصول إلى فريسته، ولعل تأثيره على الأطفال وحديثي السن كبير جدًا؛ لما يقدمه لهم من إغراءات، ولعدم وعيهم الكافي عن أضرار المخدرات، وعدم معرفتهم بالشخصية التي ينتحلها ذلك المروج، ليوقعهم في وحل التعاطي والإدمان، مما قد يضطر أولئك ـ بعد تناولها والإدمان عليها ـ إلى ارتكاب جرائم السرقات والسطو للحصول على المال الذي يمكّنهم من شرائها والاستمرار في تعاطيها، وفي ذلك زعزعة لأمن واستقرار المجتمع، إضافة إلى إخلال المتعاطي بالأمن العام عند وجوده في الأماكن العامة، كما أن قيادته للسيارة تحت تأثير المخدر يشكل خطرًا عليه وعلى الآخرين . والأخطر من هذا كله أن مهربي المخدرات لا يتورعون عن التعاون مع أي جهة حتى لو كانت من الأعداء، في سبيل تحقيق أهدافهم ومآربهم، وتحصيل مكاسبهم غير المشروعة . انطلاقاً من هذه الأبعاد كلها كانت الأمانة الملقاة على عاتق الجميع لمكافحة المخدرات جسيمة ، والأمانة مسؤولية عظيمة أبت الجبال الرواسي أن تحملها ، قال تعالى { إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً }. 
إن أول ما أوصي به الطلبة بعد الحذر من شرَك المخدرات هو: إخلاص النية لله تعالى وتصحيح القصد ، فالنية إن صلحت صلح العمل كله وإن فسدت فسد العمل كله ، وإن الله تعالى يحيل العمل عبادة بالنية الصالحة ، فمن نام ليتقوى على قيام الليل صار نومه عبادة يثاب عليها ، ومن أكل لكي يقوي بدنه على أداء ما افترض الله أصبح أكله عبادة أيضاً ويؤجر على ذلك ، والطالب الذي يدرس لكي ينفع نفسه وينفع أمته أصبحت دراسته عبادة يُكتب له فيها الأجر الوفير والثواب الجزيل . كما أوصيهم أن يتقوا الله عز وجل، قال تعالى { ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} فمن اتقى الله جعل له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن اتقى الله جعل له من أمره يسرًا، وجعل العسير عليه يسيرًا وأتاه من فضله خيراً كثيراً.وليحذر الطلبة من الغش والتزوير فإنه خيانة وبئس البطانة، قال النبي صلى الله عليه وسلم :" ...ومن غشنا فليس منا". رواه مسلم . الغش من قبيح الأخلاق وذميم الخصال ، وهو جريمة في حق النفس يوم أن يمنحها شعوراً مزيفاً بالفوز والنجاح ، وهو جريمة في حق المتجمع لأنه يؤدي إلى تخريج طلاب غير مؤهلين ، مما يضعف المستوى العلمي والثقافي ويؤدي إلى أن يوسد الأمر إلى غير أهله ، قال صلى الله عليه وسلم :" إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة". فاستعن بالله أيها الطالب ، ولا تعجز ، وإياك والغش المحرم فإنه لا خير فيه ولا بركة . ومن نجح بالغش والتزوير ، فليعلم أن الله تعالى سيمكر به إلا من تاب فيتوب الله عليه. وقد أفتت اللجنة الدائمة أن العمل في وظيفة بناء على شهادة تم الحصول عليها بطريق الغش في الاختبارات لا يجوز .وأوصيهم بالحرص على ما ينفعهم . قال صلى الله عليه وسلم:" احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز ، فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان ". رواه مسلم .وعليهم بتقوى الله والتوبة وترك المعاصي ، فإن ترك المعاصي ينشط الذهن ويقوي الذاكرة . قال الشافعي رحمه الله : شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله يؤتاه عاصيقال أحد السلف : نظرتُ نظرة لا تحل لي ، فقال لي أحدهم : لتجدن أثر هذه النظرة ، قال فأُنسيت القرآن بعد 40 سنة. ومما ينشط الذاكرة ويعين على الاستذكار: الترويح عن النفس بالوسائل المشروعة؛ لأن القلوب إذا تعبت أغلقت ، ولا ينبغي للطالب أن يذاكر وهو مرهق ؛ وعليه باعتماد أسلوب التلخيص أثناء الحفظ والمراجعة ، ومعلوم أن " ما حُفظ فَر، وما كُتب قَر. وإن أفضل أوقات المذاكرة بعض صلاتي الفجر والعصر ، ومما يساعد على تثبيت المعلومات تكرار المراجعة في فترات متفاوتة.وليحرص الطالب على النوم مبكراً لأخذ قسط كاف من الراحة، ولو لم يتمكن من الانتهاء من المراجعة ، لأن السهر وإجهاد الذهن سبب لنسيان المادة كلها . وليحذر وسوسة عدوه اللدود : أنت فاشل ، أنت لا يمكن أن تنجح، وليتسلح بالعزم على اجتياز الاختبار ، فإن الإرادة نصف الامتحان واستحضار المعلومات نصفه الثاني . ولا ينسَ دعاء الخروج من البيت : ( بسم الله ، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أُضل ، أو أَزل أو أُزل ، أو أًظلم أو أُظلم ، أو أجهل أو يُجهل علي ) ، فمن قال ذلك، يقال له : هديت وكفيت ووقيت فتتنحى له الشياطين فيقول له شيطان آخر : كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي . وليكثر من ذكر الله عند دخول القاعة فمن ذَكَرَ الله ذَكَرَهُ الله ، قال تعالى {فاذكروني أكركم } ومن ذَكَرَهُ الله وفقه وأعانه وسدده . وليقرأ الأسئلة بهدوء وتأنٍ ولا يكن همه متى ينتهي من الإجابة. وليسمَّ الله قبل البدء فالتسمية استعانة بالله وفيها بركة . وليقرأ التعليمات الواردة في ورقة الاختبار ، ثم يقرأ ورقة الأسئلة بدقة وانتباه ، ثم يبدأ بالإجابة على الأسئلة الأكثر أهمية، فإن صَعُب ذلك عليه ، بدأ بالأسئلة الأسهل لئلا يذهب الوقت في التفكير في إجابات الأسئلة الصعبة . وعليه أن يتأنَّ في الإجابة فالتأني من أسباب التوفيق . عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" التأني من الله والعجلة من الشيطان". رواه النسائي وصححه الألباني. وبعد الانتهاء من الإجابة وقبل تسليم الورقة ، قم بمراجعة إجاباتك بهدوء للتأكد من صحتها ولا يستخفنك من بكَّروا في الخروج فربما استعجلوا أو لم يتمكنوا من الإجابة على كل الأسئلة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة"، فمن أراد أن يعينه الله في شدته فعليه أن يحافظ على الصلاة المكتوبة في أوقاتها ، وليس في موسم الاختبارات فقط ، ومن أراد أن يتعرف عليه الله في محنته ويعينه على المذاكرة ، فعليه أن يتقي الله في كل لحظة وهمسة ونظرة وكلمة وليس في أيام الامتحانات فقط ، ومن اتقى الله وأطاعه في أيام الاختبارات فقط فإنما يغش نفسه ويخدعها.قال ابن عباس رضي الله عنهما: من خادع الله يخدعه الله . فهل يليق بمسلم أن يُعرض عن ذكر ربه ولا يأتمر بأوامر مولاه إلا إذا شعر أنه بحاجة إليه ، وهو الذي منَّ عليه الصحة والعافية والأمن والرزق والتوفيق.قال تعالى { وقال ربكم ادعوني استجب لكم } ففي الدعاء والتضرع إلى الله قرعٌ لأبواب السماء ومن داوم على القرع أوشك أن يفتح له . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي ". رواه البخاري. فلا يجب أن يغفل الطلاب عن الدعاء ، والله يحب من عبده أن يلح في دعائه. كما أن دعاء الوالدين لولدهما مستجاب فليكثرا من الدعاء لأولادهما بالتوفيق والسداد . وليحذرا من التهويل وتضخيم أمر الامتحانات وتحويل الاختبارات شبحاً مخيفاً في أعين الأبناء ، فيدخل الواحد منهم قاعة الامتحان وعلامات القلق والاضطراب على محياه ، وبعض الفتيات تصاب بالإغماء أو بالدوار وبعضهن تنقل إلى المستشفى بسبب شدة الخوف والتوتر . وعلى المعلمين والمراقبين في قاعات الاختبار أن يخففوا الأمر على الطلبة وأن يحثوهم على التفاؤل وأن يبعثوا الأمل في أنفسهم، بعيداً عن العبارات التي تبعث على التشاؤم والإحباط . إن كثيراً من الآباء يحرص على توفير الأجواء التي تمكن أبناءهم من المذاكرة والحفظ ، فتراهم يوقفون وسائل اللهو والعبث والمعصية من قنوات وأغاني حرصاً على عدم انشغال أبنائهم فيما لا يرضي الله وأخذاً بأسباب التوفيق ، وهذا تصرف مسؤول وتدبير موفق ، لكن حري بهم ألا يغفلوا عن الأخذ بأسباب التوفيق التي تنجيهم وذرياتهم في الآخرة بحثهم على الطاعات وتحذيرهم من المعاصي ليتحقق لهم صلاح الدارين . أيها المسلمون : ما أجمل ان نستغل موسم الاختبارات لنتأمل ونتفكر فيما فعلناه استعداداً ليوم الامتحان الأكبر، يوم السؤال عن الصغيرة والكبيرة ، السائل رب العزة والجلال ، والمسؤول هو كل فرد لوحده ومحل السؤال هو كل ما قدمته في حياتك من صغيرة أو كبيرة في يوم يجعل الولدان شيباً، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّم،َ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِه، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ " رواه مسلم .{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ ٱقْرَؤُاْ كِتَـٰبيَهْ * إِنّى ظَنَنتُ أَنّى مُلَـٰقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ *فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ *قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ *كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِى ٱلاْيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ *وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يٰلَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كِتَـٰبِيَهْ *وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ *يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ *مَا أَغْنَىٰ عَنّى مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنّى سُلْطَـٰنِيَهْ *خُذُوهُ فَغُلُّوهُ *ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ *ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاْسْلُكُوهُ } .

الشباب مقومات ثباتهم وعوامل انحرافهم

09-16-1432 05:54
من يتأمل ما تمر به دول المنطقة من ألوان الاضطرابات وأنواع الفتن والمغريات ، وما يعصف بها فتن اضطرابات وفتن الشبهات والشهوات يوقن أن الثبات على الحق أمر عزيز ، لا يوفق إليه إلا من أعانه الله على ذلك . ولأهمية الثبات على الدين كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يدعو بالثبات . عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك". رواه مسلم .
ولا شك في أن الثبات هو ثبات القلب على الحق والهدى ، والقلب إنما سمي قلباً لكثرة تقلبه قال صلى الله عليه وسلم :" لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَشَدُّ انْقِلَابًا مِنْ الْقِدْرِ إِذَا اجْتَمَعَتْ غَلْيًا ".رواه أحمد وصححه الألباني . وقال صلى الله عليه وسلم :" إِنَّمَا سُمِّيَ الْقَلْبُ مِنْ تَقَلُّبِهِ إِنَّمَا مَثَلُ الْقَلْبِ كَمَثَلِ رِيشَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ يُقَلِّبُهَا الرِّيحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ ". رواه أحمد وصححه الألباني .
وما سمي الإنسان إلا لنسيانه ولا القـلب إلا أنـه يتقلب
وتعظم الحاجة إلى الأخذ بأسباب الثبات في أوقات الفتن سيما فتن آخر الزمان حيث كثرة الانتكاس والارتكاس كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : "فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ". متفق عليه . وقال صلى الله عليه وسلم:" إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً". وعن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأيما قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نُكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره الفتنة مادامت السماوات والأرض والآخر مرباداً كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب هواه ". رواه مسلم وأحمد.
ولذا فإن ثبات القلب في وجه رياح الشهوات والشبهات أمر في غاية الأهمية لكونه يتعلق بالمنهج الذي يسلكه صاحبه في الحياة ، ويحدد مصيره ومآله بعد الممات . {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون }.
ولا ثبات للقلب إلا بتثبيت الله . قال تعالى { واعلموا أنَّ اللهَ يحولُ بين المرءِ وقلْبِهِ وأنَّه إليه تُحْشرون } ، وقال تعالى {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء }.وقال { ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً } .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعاً:"إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء". رواه مسلم .
فحري بالشاب المسلم معرفة مقومات الثبات على الحقد والهدى والوسطية للتمسك بها والعمل بموجبها ، ومعرفة أسباب الانحراف للنأي والبعد عنها ، لأنَّ الثباتَ حتى الممات هو ثمرةُ الهداية التي ينشدها ويحرص عليها كل مسلم ومسلمة.
وسؤال الله الثبات هو ديدن المؤمنين قال تعالى حاكياً قولهم {قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين } . وقال تعالى {وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا } . وقال تعالى مخبراً عنهم أنهم قالوا { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب }.
والثبات هو الاستقامة على الهدى، والتمسك بالسنة في الأقوال والأفعال ، وترك الذنوب والمعاصي، واجتناب الشهوات والشبهات .
ومن أهم المقومات التي من تمسك بها ثبت ونجا من الفتن ، ومن تهاون بها انحرف وضل :
أولاً : الاعتصامُ بالكتابِ والسنةِ انقياداً وعملاً وتطبيقاً ،قال تعالى {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } ، قال الشوكاني في فتح القدير (2/5) : (أمرهم سبحانه بأن يجتمعوا على التمسك بدين الإسلام ، أو بالقرآن ، ونهاهم عن التفرق الناشيء عن الاختلاف في الدين) . وقال السعدي رحمه الله : ( أمرهم بالاجتماع والاعتصام بدين الله، وكون دعوى المؤمنين واحدة مؤتلفين غير مختلفين، فإن في اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم وبالاجتماع يتمكنون من كل أمر من الأمور، ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها، من التعاون على البر والتقوى، كما أن بالافتراق والتعادي يختل نظامهم وتنقطع روابطهم ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه، ولو أدى إلى الضرر العام) . (التفسير 1/141)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً أن الاعتصام بالكتاب والسنة أمان من الضلال :" تركت فيكم أمرينِ لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتابُ الله وسنتي ".
وعن بشير بن عمرو قال: شيَّعنا ابن مسعود y حين خرج، فنزل في طريق القادسية فدخل بستاناً فقضى حاجته ثم تؤضأ ومسح على جوربيه ثم خرج وإن لحيته ليقطر منها الماء فقلنا له: اعهد إلينا فإن الناس قد وقعوا في الفتن ولا ندري هل نلقاك أم لا، قال: اتقوا الله واصبروا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر وعليكم بالجماعة فإن الله لا يجمع أمة محمد على ضلالة.قال الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}. وقال النبي e : " عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة "وقال : " الجماعة رحمة والفرقة عذاب".
وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال: لما وقع من أمر عثمان ما كان وتكلم الناس في أمره أتيت أبي بن كعب فقلت: أبا المنذر ما المخرج ؟ قال: كتاب الله.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: طريق النجاة من الفتن هو التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم كما رُوي ذلك عن علي مرفوعاً: تكون فتن: قيل: ما المخرج يا رسول الله؟ قال :" كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وفصل ما بينكم ".
ثانياً : الدعاءُ بالثبات {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب }.
وكان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم :" يا مقلبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينك ". وكان صلى الله عليه وسلم يقول :" اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد ".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم ". رواه الطبراني والحاكم .
ثالثاً : تدبر القرآن فالقرآن من أعظم وسائل التثبيت ، ولذا كانت الحكمة من إنزال القرآن منجَّماً ومفصلاً هي تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} ، وأخبر سبحانه أنه أنزل هذا القرآن لتثبيت المؤمنين فقال {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}.
فالقرآن يقوي الإيمان ويزكي النفس ويوثق صلة العبد بربه ، ومن قرأه بتدبر اطمأن قلبه وانشرح فؤاده وأمن من رياح الفتن أن تؤثر فيه {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} .
وتدبر القرآن يجعل المسلم يستشعر عظمة الله عز وجل ، ومن استشعر عظمة الله ثبت قلبه وامتلأ محبة وانقياداً لخالقه ومولاه.
فما أجمل أن يستشعر المسلم عظمة الله إن هو قرأ قوله تعالى {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } .
ومن تدبر قوله عز وجل {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه } ، امتلأ قلبه تعظيماً وخشية لله . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السموات بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض ". رواه البخاري.
ومن تدبر قصص الأنبياء والصالحين في القرآن ثبت قلبه وعلم أن ثمة من سبقه في الطريق فاقتدى بهم وتمسك بهديهم ، قال تعالى { وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين .
من ذلك ثبات إبراهيم عليه السلام {قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين } .
وثبات موسى عليه السلام { فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين } .
وثبات سحرة فرعون لما قال { فلأ قطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى} ، كان جوابهم {لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } .
وثبات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادوهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} .
رابعاً : الذكر من أعظم وسائل الثبات : { ولذكر الله أكبر }
{ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً }
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" إذا أوى الإنسان إلى فراشه ابتدره ملك وشيطان ، فيقول الملك : اختم بخير ، ويقول الشيطان اختم بشر ، فإذا ذكر الله تعالى حتى يغلبه ـ يعني النوم ـ طرد الشيطان وبات يكلؤه. فإذا استيقظ ابتدره ملك وشيطان ، فيقول الملك افتح بخير ويقول الشيطان افتح بشر، فإن قال : الحمد الله الذي أحيا نفسي بعدما أماتها ولم يمتها في منامها ، الحمد لله الذي يمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى ، الحمد لله الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده، الحمد لله يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، طَرَد الشيطان وظل يكلؤه " . ذكره الحافظ أبو موسى ، ورواه بمعناه ابن حبان والحاكم وصححه والهيثمي وقال : رجاله رجال الصحيح.
والذكر وجاء وحماية للعبد من الشيطان . عن الحارث الأشعري أن نبي الله صلى الله عليه و سلم قال : " إن الله عز وجل أمر يحيى بن زكريا عليهما السلام بخمس كلمات أن تعمل بهن وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن وكاد أن يبطئ فقال له عيسى انك قد أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن فأما أن تبلغهن وإما أن أبلغهن فقال يا أخي إني أخشى إن سبقتني أن أعذب أو يخسف بي قال فجمع يحيى بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد فقعد على الشرف فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله عز وجل أمرني بخمس كلمات أن اعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن أولهن أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً فان مثل ذلك مثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بورق أو ذهب فجعل يعمل ويؤدي غلته إلى غير سيده فأيكم سره أن يكون عبده كذلك وإن الله عز وجل خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئا وآمركم بالصلاة فان الله عز وجل ينصب وجهه لوجه عبده ما لم يلتفت فإذا صليتم فلا تلتفتوا وآمركم بالصيام فان مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك في عصابة كلهم يجد ريح المسك وإن خلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك وآمركم بالصدقة فان مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فشدوا يديه إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه فقال هل لكم أن أفتدي نفسي منكم فجعل يفتدي نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا وأن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعاً في أثره فآتي حصنا حصينا فتحصن فيه وان العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل". رواه الإمام أحمد في المسند .
خامساً: الالتفافُ حولَ العلماءِ ، وقد أشعر الله بفضل العلماء بقوله {يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَـٰتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.وأذن بتعظيمهم بقوله { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : فولاية أهل العلم في بيان شريعة الله ودعوة الناس إليها وولاية الأمراء في تنفيذ شريعة الله وإلزام الناس بها.
فهم نبراس الأمة وصمام الأمان فيها ، تحتاجهم الأمة أكثر من حاجتها إلى الطعام والشراب . قال الإمام أحمد: "الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين في حاجته إلى العلم بعدد أنفاسه".
فالعلماء هم السادة وهم القادة وهم منارات الأرض ، قال ابن القيم رحمه الله : هم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء بهم يهتدي الحيران في الظلماء، وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض من طاعة الأمهات والآباء بنص الكتاب ، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولوا الأمر منكم}.انتهى كلامه رحمه الله .
والفتنة إذا أقبلت عرفها العلماء، وإذا أدبرت عرفتها العامة . وقد مرت أحداثٌ قديماً وحديثاً أثبتت أن أهل العلم الراسخين هم ساسة الأمة ، وهم أجدر بالقول في النوازل والحُكْمِ فيها.
قال علي بن المديني رحمه الله:" أعز الله الدين بالصديق يوم الردة وبأحمد يوم المحنة".
سادساً : التمسك بمنهج السلف ، قال صلى الله عليه وسلم: " إنها ستكون فتنة، قالوا: وما نصنع يا رسول الله، قال: ترجعون إلى أمركم الأول ".
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل : يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟ قال :" أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً ، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ.. " رواه أبو داود والترمذي .
إن البعد عن منهج السلف الصالح سبب في الحيرة والزيغ . يقول الرازي:
نهايـة إقـدام العقـول عقـال وغاية سعي العالمين ظـلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصـل دنيانـا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وقال الشهرستاني:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حائر على ذقن أو قارعـاً سن نـادم
فأجابه الصنعاني رحمه الله :
لعلك أهملت الطـواف بمعهـد الرسول ومن لاقاه من كل عالم
فما حار من يهدي بهدي محمد ولست تـراه قـارعاً سـن نادم
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: " فكل أنواع الفتن لا سبيل للتخلص منها والنجاة منها إلا بالتفقه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم ومعرفة منهج سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنه ومن سلك سبيلهم من أئمة الإِسلام ودعاة الهدى".
يقول قتادة بن دعامة رحمه الله وهو أحد التابعين وقد عاصر فتنة من الفتن : "قد رأينا والله أقواماً يسارعون إلى الفتن وينزعون فيها، وأمسك أقوام عن ذلك هيبة لله ومخافة منه، فلما انكشفت الفتن إذا الذين أمسكوا أطيب نفساً وأثلج صدوراً، وأخف ظهوراً من الذين أسرعوا إليها، وصارت أعمال أولئك حزازات على قلوبهم كلما ذكروها، وأيم الله، لو أن الناس كانوا يعرفون منها إذ أقبلت ما عرفوا منها إذ أدبرت لعقل فيها جيل من الناس كثير".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" إذا انقطع عن الناس نور النبوة وقعوا في ظلمة الفتن وحدثت البدع والفجور ووقع الشر بينهم".
ويقول الحسن البصري رحمه الله: " الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل".
سابعاً : الصبر ، قال تعالى { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}.
عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم :" كيف أنت يا أبا ذر وموتاً يصيب الناس حتى يقوَّم البيت بالوصيف (يعني القبر) ؟! . قلت : ما خار لي الله ورسوله (أو قال : الله ورسوله أعلم) قال : تصبر. قال : كيف أنت وجوعاً يصيب الناس حتى تأتي مسجدك فلا تستطيع أن ترجع إلى فراشك ، ولا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك؟! قال : قلت : الله ورسوله أعلم (أو ما خار لي الله ورسوله) . قـــال : عليك بالعفة. ثم قال : كيف أنت وقتلاً يصيب الناس حتى تغرق حجارة الزيت بالدم؟! قلت : ما خار لي الله ورسوله.قال : الحقْ بمن أنت منه. قال : قلت : يا رسول الله أفلا آخذ سيفي فأضرب مع مَن فعل ذلك؟ قال : شاركت القوم إذاً، ولكن ادخل بيتك ، قلت : يا رسول الله فإن دُخل بيتي؟ قال : إن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألقِ طرف ردائك على وجهك فيبوء بإثمه وإثمك فيكون من أصحاب النار". رواه مسلم .
وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :" إن السعيد لمن جنب الفتن ، إن السعيد لمن جنب الفتن إن السعيد لمن جنب الفتن ، ولمن ابتلي فصبر فَوَاهاً " . أي ما أحسن ما فعل . رواه أبو داود . وقال سمرة بن جندب : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمرنا إذا فزعنا بالصبر والجماعة والسكينة".
وقال النعمان بن بشير: إنه لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتن فأعدوا للبلاء صبراً
لقد جعل الله الصبر جواداً لا يكبو، وصارماً لا ينبو، وجنداً لا يهزم، وحصناً حصيناً لا يهدم ولا يثلم.
صبرتُ فكان الصبر خير مغبة وهل جزع يجدي علي فاجـزع
ملكت دموع العين حتى رددتها إلى ناظري فالعين في القلب تدمع
لقد قامت قريش بإنزال العقاب الجماعي على الرسول صلى الله عليه و سلم ومن معه من المسلمين ، فأصدرت صحيفة المقاطعة تتضمن عدم معاملة المسلمين بالبيع والشراء وعدم تزويجهم أو الزواج منهم ووضعت الصحيفة في جوف الكعبة، واستمر الحصار في واد من شعاب مكة مدة ثلاث سنوات، والمسلمون صابرون محتسبون لما أصابهم من جهد البلاء وشدة الكرب، حتى كانوا يأكلون ورق الشجر وقِطَع الجلود، إلى أن هيأ الله أسباب الفرج على أيدي نفر من أشراف قريش، قاموا بنقض الصحيفة والمناداة برفع الحصار عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وعن أقاربه وأصحابه.
صبر صلى الله عليه و سلم وتحمل المشقة والعناء وهو المجاب الدعوة ليرسم للأمة منهجاً تسير على خطاه ولتتحمل في سبيل رفع كلمة الحق المصاعب والآلام وليعلمها أن الصبر مفتاح الفرج ومقدمة النصر ، قال صلى الله عليه و سلم :" واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً".
ثامناً : من مقومات الثبات : تقوى الله عز وجل ، تقوى الله سبحانه وتعالى:قال عز وجل{ ومن يتق الله يجعل له مخرجاً } وقال {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا}.
فالواجب على المسلم المرابطة على ثغور القلب وحمايتها من الذنوب والمعاصي ، فترك المعاصي والذنوب صغيرها وكبيرها ظاهرها وباطنها من أسباب الثبات ، والذنوب من أسباب الزيغ . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم :" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ". رواه الشيخان ، وقال صلى الله عليه وسلم :" إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم؛ لأن محقرات الذنوب متى يأخذ بها صاحبها تهلكه ".
ومن تقوى الله الامتثال لما أمر الله به {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً * وإذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً * ولهديناهم صراطاً مستقيماً } .
والإكثار من العمل الصالح ، {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض} ، {سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض } .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض فقال عمير بن الحمام: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: نعم، قال: بخ بخ، قال: ما يحملك على قولك بخ بخ؟ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها، فأخرج ثمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل ثمراتي هذه، إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل". رواه مسلم .
تاسعاً : العمل للدين ونشر الدعوة ، فالداعي إلى الحق لا يدعى إلى الباطل ، وخير وسيلة للدفاع هي الهجوم ، وفي الدعوة إلى الله إشغال النفس بالطاعة بأحسن الأقوال {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين}، ونصرة لدين الله، قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.
قال ابن القيم رحمه الله:
هذا ونصر الدين فرض لازم لا للكفاية بل على الأعيانِ
بيد وإما باللسان فإن عجزت فبالتوجه والدعاء بجنانِ
مكث نبي الله نوح عليه السلام ، يدعو قومه في الليل والنهار، والعلن والإسرار، مدة ألف سنة إلا خمسين عاماً.
ونبي الله يوسف عليه السلام الذي أدخل السجن يرسف في قيوده مظلوماً،جعل السجن إلى مدرسة للتوحيد ومنبرٍ للدعوة.فعندما أتاه صاحبا السجن يسألانه ، وقال الأول :{ رأيتني أعصر خمرا} . وقال الآخر { رأيتني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه).
{ نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين } . استغل تشوقهما للجواب فلم يجبهما مباشرة بل دعاهما إلى التوحيد قائلاً { يا صاحبي السجن ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار}.
وعندما حضرت نبينا الوفاة ، وأصيب بحمى شديدة حتى إن حرارة بدنه ، حتى إن كانت تنبعث من تحت الغطاء . فكان يقول في آخر لحظات عمره :" الصلاة الصلاةَ وما ملكت أيمانُكم ".
وعندما حضرت عمر رضي الله عنه الوفاة ، ودخل عليه الناس يودعونه ، رأى في ثوب احدهم إسبالاً فقال له : ارفع ثوبك يا ابن أخي ، فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك .
إن الدعوة ونشر الخير والهدى ليس وقفاً على العلماء والدعاة وطلبة العلم ، فكل مسلم بانتمائه للإسلام عامل للدين، مهما كان خطؤه وتقصيره لا يعجز أن تجد لك دوراً.
فهذا هدهد سليمان الذي كان يعيشُ في كنفِ سليمانَ عليه السلام، الذي سخر اللهُ له الريحَ، وسخر له الجن، وآتاه ملكاً لم يؤته أحداً من العالمين. لم يقل الهدهد ما دوري أنا بجانبِ هذا الرسول الذي سخر الله له كل شيء. بل وجد لنفسه دوراً حيث أطلع سليمان على قوم سبأ وشركهم .والقصة معروفة .
ولنا عبرة في الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ، وفي المدينة ثلاثة رسل ، فقال لقومه { اتبعوا المرسلين * اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون } لم يتقاعس ولم يتواكل قائلاً : ما هو دوري في خدمة ديني وفي المدينة ثلاثة من رسل الله تعالى .
عاشراً : الصحبة الصالحة . قال صلى الله عليه و سلم :" المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ". وقال صلى الله عليه و سلم: " مثل الجليس السوء كنافخ الكير : إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه رائحة كريهة".
الصاحب ساحب والطبع استراق ، والمؤمن مرآة أخيه إن رأى منه خيراً حثه عليه ، وإن رأى منه تقصيراً نبهه ، وإن مر بموقف صعب نصحه وثبته . والصاحب الصالح من أسباب الثبات . قال ابن القيم رحمه الله: "وكنا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت بنا الظنون ،وضاقت بنا الأرض أتيناه،فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله عنا ،وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً وطمأنينة ... " . (الوابل الصيب 97). جاء في السير ( 11/238 ) عن أبي جعفر الأنباري قال : " لما حُمِل أحمد إلى المأمون أخبرت ، فعبرت الفرات ، فإذا هو جالس في الخان فسلمت عليه . فقال : يا أبا جعفر تعنيت. فقلت : يا هذا ، أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك ، فو الله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبن خلق، وإن لم تُجب ليمتنعن خلق من الناس كثير ، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك ، فإنك تموت ، لابد من الموت ، فاتق الله ولا تجب . فجعل أحمد يبكي ويقول : ما شاء الله. ثم قال : يا أبا جعفر أعِد .. فأعدت عليه وهو يقول : ما شاء الله ... أ.هـ "
وقال الإمام أحمد وهو يروي أحداث رحلته إلى المأمون (السير 11/241 ) : " صرنا إلى الرحبة منها في جوف الليل ، فعرض لنا رجل فقال : أيكم أحمد بن حنبل.فقيل له : هذا . فقال للجمال : على رسلك .. ثم قال : " يا هذا ، ما عليك أن تُقتل ها هنا ، وتدخل الجنة " ثم قال: أستودعك الله ، ومضى . فسألت عنه ، فقيل لي هذا رجل من العرب من ربيعة يعمل الصوف في البادية يقال له : جابر بن عامر يُذكر بخير " .
وفي رواية أن الإمام أحمد قال : " ما سمعت كلمة وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة الأعرابي كلمني بها في رحبة طوق وهي بلدة بين الرقة وبغداد على شاطئ الفرات ، قال : " يا أحمد إن يقتلك الحق متّ شهيداً ، وإن عشت عشت حميداً .. فقوي قلبي " (السير 11/241 ) .
الحادي عشر : ومن مقومات الثبات : اجتناب أسباب الانحراف ، وهذه الأسباب كثيرة ، لكن نذكر أهمها :
1 ـ الجهل ، وعدم اتباع العلماء.ومن لم يتبع العلماء اتخذ رؤوساً جهالاً ضالين مضلين ، لأن العلماءُ هُمُ الأمناءُ على دين الله , فواجبٌ على كلّ مكلَّفٍ أخذُ الدِّين عن أهله كما قال بعض السلف : إن هذا العلمَ دينٌ فانظروا عمن تأخذون دينكم . فأمَّا مَنْ تَعَلَّقَ بظواهر ألفاظٍ من كلام العلماء المحققين , ولم يعرِضْهَا على العلماء, بل يعتمدُ على فهمه , وربما قال حجّتُنا مجموعةُ التوحيد , أو كلامُ العالم الفلاني، وهو لا يعرف مقصودَه بذلك الكلام ؛ فإنَّ هذا جهلٌ وضلالٌ.
2 ـ التقصير في العمل الصالح : فلا قراءة قرآن ولا أداء الصلوات في وقتها ولا أداء النوافل كقيام ليل أو صيام نافلة .
أهمل نفسه وربما اكتفى بالمظهر "التزام أجوف" وهذا قد التزم شكلاً ولكنه منتكس من الداخل . وإذا انتكس الباطن يكون انتكاس الظاهر سهلاً.
3 ـ من أسباب الانحراف : الاستهانة بعقوبة المعصية وشؤمها. وكثرة المعاصي من أسباب الانحراف كما أسلفنا ، كما أنها تحرم صاحبها من الطاعة ، فالطاعة تقول أختي أختي، والمعصية كذلك .
قال ابن القيم رحمه الله: "مثال تولد الطاعة ونموها وتزايدها كمثل نواة غرستها فصارت شجرة ثم أثمرت فأكلت ثمرها وغرست نواها، فكلما أثمر منها شيء جنيت ثمره وغرست نواه وكذلك تداعي المعاصي، فليتدبر اللبيب هذا المثال". أهـ.
إن الذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها، فكان من الغافلين {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}قال بعض السلف: هو الذنب بعد الذنب.
4 ـــ تزيين الفواحش في أعين الشاب ليرى القبيح حسناً والمنكر معروفاً ، ويتحمل الوزر الأكبر في ذلك بعض القنوات الهدامة وبعض الكتاب التغريبيين .
ـــ تحكيم الشريعة يتنافى مع تفعيل العقل . يقول أحد الكتاب ( الوطن عدد73 في 51/9/1421هـ ) عن المجتمع : صَمَّ أذنيه ووقع تحت هيمنة النقل وابتعد عن تفعيل العقل... .
ـــ المرء حر في أن يفعل ما تشاء من علاقات ولو كانت محرمة ... نشرت إحدى الصحف ( جريدة الرياض في 7/9/1426) صورة على ملابس شاب مكتوب عليها MAKE LOVE وتعني (ممارسة الحب ) .
ـــ خلع المرأة حجابها شعور بالانسانية . كما في ( الوطن 8/5/1425هـ ، الموافق 26/6/2004م) مقال يتهم الحجاب بأنه يسلب المرأة حريتها وشعورها بإنسانيتها ، فخاطب صديقاً له يصمم الأزياء ويطالبه بتقديم خدمة كبرى للمجتمع وللتنمية بتصميم أزياء نسوية تتيح للمرأة حرية الحركة والشعور بالإنسانية!!!.
ـــ الاختلاط حضارة وعدم الاختلاط جاهلية . يقول أحدهم: كيف قادتنا جاهليتنا الحديثة إلى أن قسمنا وجودنا وكياننا إلى قسمين قليلاً ما التقيا ) . ( الوطن عدد 832 ) .
ـــ الغزو الفكري هو عولمة ومعاصرة لا بد منها .
ـــ قرارها في بيتها ظلم . في خبر نشرته جريدة اليوم ( يوم الإثنين 27 / 7 / 1427 هـ الموافق 21 / 8 / 2006 م ) مفاده أن الشرطة تمكنت من العثور على ثلاث فتيات هاربات من منازل أسرهن وقد ظهر على فتاتين آثار الحمل.
ـــ الخمر مشروبات روحية . وتكرار مشاهد شرب الخمر والتدخين وتعاطي المخدرات ، وتبرز خطورة هذا الأمر في ما كشفته إحدى الدراسات أن 91% من الفتيات اللاتي أجريت عليهن الدراسة يتابعن المسلسلات باهتمام كبير .
ـــ فضلاً عن تقديم النموذج الجريء على حدود الله لكي يحتذيه الشباب.
يقول أحدهم في مقال له بعنوان : "أدثرها بمعطفي" ( الشرق الأوسط ، الاثنين 25 شعبان 1427 هـ ) : قال لي أحدهم وهو يصف ما شاهده: إنها كانت ترتدي ثوباً يبعث الحرارة في كل من رآها، ما عداها هي. فقلت له: لو أنني كنت معكم، فلن أتورع على أن أدثرها بيدي بمعطفي.
وكان من ثمرات هذه الدعوات وغيرها ما نشرته جريدة الوطن : أن طالبة في الثالثة عشرة من العمر سجلت شريطاً على الهاتف مع طالب في الخامسة عشرة من العمر، ثم وزعته في اليوم الثاني على زميلاتها في الصف الأول المتوسط متباهية بأن هناك من يحبها وتحبه، وأنهما اتفقا على الزواج لذلك تعتبر ما تفعله أمرا عادياً.. ( جريدة الوطن الإثنين 28 شوال 1424هـ ، العدد 1179).
وفي مقال بعنوان " تسريحتك حلوة وتجنن " (الشرق الأوسط الاثنين 27 رجب 1427 هـ ) قال أحد الكتاب: في حفلة مختلطة استفردت بي إحدى النساء «اللوذعيات»، وفوجئت بها تقول لي: دعنا نتحدث عنك أنت شخصياً، ما رأيك بـ«تسريحة» شعري؟!
ـــ ومن الكيد الذي ُيمارس لتسطيح اهتمامات الشباب وخلخلة الموازين لديهم ما كتبه احدهم ( الشرق الأوسط الجمعة 8 / 8 م 1427 هـ ) بقوله : وإذا كان الشاعر نزار قباني قد قال بما معناه: انه يبيع الدنيا وما فيها من أجل محبوبته، فإني أبيع الدنيا وما فيها من أجل فراشي وحذائي ... .
فالفراش والحذاء عنه أفضل من الدنيا وما فيها !! .
وتابع : المرأة المتبرجة كالقمر، تتلألأ بضوء مستعار. أما بعض النساء، فيا سبحان الله، فالواحدة منهن تشع شعاعاً حارقاً، حتى من وراء الحجاب ... .
5 ـ ومن أسباب الانحراف : عدم فهم التدين فهماً صحيحاً ، فقد يتصور بعض الشباب أن الالتزام يعني أن يصبح ملكاً لا يعصي الله ما أمره ولا يخطئ ، فإذا وقع في المعصية أو شاهد من الصالحين من وقع فيها تأثر وانتكس.
6 ـ ومنها : عدم التوازن في جوانب التربية الإيمانية والأخلاقية والثقافية والدعوية والجهادية .
فبعض الشباب يتربى على الأناشيد فيتقد حماساً مدة معينة ثم لا يلبث أن يخبو. والمتحمس سرعان ما ينتكس لأنه يريد أن يحقق كل شيء بسرعة.وقد يصل به الأمر إلى الغلو ومن ثم التقصير لأنه سيتعب ويكل ويمل ثم بعد ذلك ينتكس.
وبعضهم لا يتربى إلا على ثقافة القتال والجهاد دون أن يفقه ضوابط الجهاد وأحكامه ومتى يكون مأموراً به ومتى يكون منهياً عنه .
فالجهاد ليس غاية بل وسيلة .
وبعضهم يسترسل في سماع النكت والطرائف على حساب طلب العلم وتزكية النفس وتلك من أعظم وسائل الثبات بعد توفيق الله تعالى .
صحيح أن الترويح مباح ومطلوب في بعض الأحيان ، لكن يجب أن يكون كالملح في الطعام ساعة وساعة .
عن حنظلة الأسيدي ، وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لقيني أبو بكر ، فقال كيف أنت يا حنظلة قال قلت نافق حنظلة قال سبحان الله ما تقول قال قلت نكون عند رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيراً قال أبو بكر فوالله إنا لنلقى مثل هذا فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم قلت نافق حنظلة يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" وما ذاك ". قلت يا رسول الله : نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة". ثلاث مرات. رواه مسلم .
7 ـ ومن وأسباب الانحراف : عدم تحذير الشباب من الفكر المنحرف، فمعرفة الشر وسيلة لاجتنابه .
عرفت الشر لا لشر ولكن لتوقيه
ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
قال حذيفة رضي الله عنه : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟. قال :"نعم ". قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟. قال :" نعم وفيه دخن ". قلت : وما دخنه ؟. قال :" قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر ". قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟. قال:" نعم ، دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ". قلت : يا رسول الله صفهم لنا . فقال :" هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا". قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟. قال :" تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ". قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟. قال :" فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك". رواه البخاري .
8 ـ ومن أسباب الانحراف : الفراغ ، فهو داء قتال للفكر والعقل والطاقات الجسمية ، إذ النفس لا بد لها من حركة وعمل ، فإذا كانت فارغة من ذلك تبلد الفكر وثخن العقل وضعفت حركة النفس واستولت الوساوس والأفكار الرديئة على القلب ، وربما حدث له إرادات سيئة شريرة ينفس بها عن الكبت الذي أصابه من الفراغ .
9 ـ العزلة والبعد عن أهل الخير. { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } .
إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
10 ـ الغزو الفكري وقراءة بعض الكتب الهدامة من رسائل وصحف ومجلات وغيرها مما يشكك المرء في دينه وعقيدته ، إذا لم يكن عند الشباب منعة قوية من الثقافة الدينية العميقة والفكر الثاقب كي يتمكن بذلك من التفريق بين الحق والباطل وبين النافع والضار .
11 ـ ومن أسباب الانحراف : الأمن من الفتنة . عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أسمع النبي صلى الله عليه و سلم يكثر أن يدعو به يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك قلت يا رسول الله دعوة أراك وأسمعك تكثر أن تدعو بها يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك قال :" ليس من آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه". رواه النسائي في الكبرى .
12 ـ الاستياء من ضعف الأمة مع الغفلة عن السنن الكونية في الابتلاء والامتحان والنصر والهزيمة والتمكين لأهل الحق ولو بعد حين، واستعجال النتائج واستبطاء النصر { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبل مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب } . 
الشباب وطلب العلم

04-07-1433 04:11
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف
المرسلين وعلى آله وصحبه اجمعين ، أما بعد : فإن الشباب هم أمل الأمة ومعقد آمالها ومصدر نهضتها . إنهم المرآة الصادقة التي تعكس تقدمها ودليل ساطع على التنبؤ بمستقبلها ، وإن وجود الشباب الصالح القوي برهان على حياتها وعزها . الشباب مرحلة مليئة بالحيوية الدافقة ، لأنها وسط العمر ووسط كل شيء خياره ، فحينما تكون الشمس في كبد السماء في رابعة النهار فإنها تكون في ذروة السطوع والدفء . فهم عنصر القوة وهم الذين يقومون بأعباء النهوض بالرسالة وتبليغها ، كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شباباً ، أكبرهم أبو بكر الصديق كان سنه يوم إسلامه ثمانية وثلاثين عاماً ، وكان عمر أصغر منه بعشر سنوات ، وعليُّ بن أبي طالب كان دون العاشرة من عمره يوم أسلم ، وغيرهم كثير كانت تتراوح أعمارهم بين الثانية عشرة والعشرين رضي الله عنهم أجمعين ، بهم قام الدين وبُلِّغت الرسالة . شــباب ذلــلوا سـبل المــعالي وما عرفوا سوى الإسلام دينا إذا شهدوا الوغى كانوا كماةً يــدكـــون المعـــاقل والحــصونـــا وإذا جـــنَّ الظلام فلا تراهـم مــن الإشفــاق إلا ساجــديــنـا كذلك أخرج الإسلام قومي شـــباباً طـــاهــراً حـــراً أمـــينا ولأهمية هذه المرحلة وخطورتها ، اشتدت عناية الأعداء بتمييع شباب المسلمين ، وإشاعة التفاهة والإنحلال في أوساطهم ، لكي لا تقوم للدين بهم قائمة ، ولا يتحركوا لنصرة قضاياهم المصيرية ، لعلمهم أنهم قلب الأمة النابض الذي تعبِّر دقاته عن آمالها وآلامها . فالواجب علينا العناية بشبابنا ، فننمي مواهبهم ونتعهد قدراتهم ونوجه طاقاتهم ونستثمر فراغاتهم ونشبع حاجاتهم بالطرق الشرعية ونحميهم من براثن الإنحراف وشرك الأباطيل . وعلى الشباب أن يستغلوا ما أنعم الله عليهم من صحة وفراغ في طلب العلم وتربية النفس وتهذيبها وتعويدها على الطاعة ، وقد نبَّه المصطفى صلى الله عليه وسلم إلـى غفلة الألوف من الناس عن هذه النعم فقال: " نعمتان من نعم الله مغبون فيها كثير من الناس: الصحة والفراغ " . يقول بعض الصالحين : فراغ الوقت من الأشغال نعمة عـظـيـمــة . وكان السلف الصالحون يكرهون من الرجل أن يكون فارغاً لا هو في أمر دينه ولا هو في أمر دنياه . والنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ، فمن أطلق لنفسه العنان تهوي به ذات اليمين وذات الشمال ، قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما . النفوس الفارغة لا تعرف الجد ، فتلهو في أخطر المواقف وتهزل في مواطن الجد ، فلا قول ولا عمل ولا إيمان ولا دين همها اللعب واللهو في الدنيا ويتبعه حسرة وندامة يوم القيامة. يقول ابن مسعود رضي الله عنه: ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه ، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي. ويقول الحسن البصري رحمه الله : أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم!. كثير من الشباب يتوفر لديهم أوقات كبيرة ، إذ لا مسؤولية عليهم ولا أعباء أسرية تلاحقهم ، ولا متطلبات للزوجة والأولاد . وهم في مرحلة توقُّدِ الذهن وحضور البديهة وفي قمة النشاط العقلي. فما أجمل أن يتوجه هؤلاء إلى طلب العلم الشرعي والنهل من كنوز الكتاب ومعين السنة . وما أشد حاجة المسلمين إلى شباب يطلب العلم ويستنير بنور الوحيين ، ويقيم حجة الله على العباد ، ويبين لهم السبيل وينير أمامهم الطريق وينفض عنهم عمى الجهل . يقول ابن القيم رحمه الله تعالى : ( جعل الله سبحانه أهل الجهل بمنزلة العميان الذين لا يبصرون فقال { أفمن يعلم أنما أُنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى } ، فما ثمَّ إلا عالم أو أعمى ، وقد وصف سبحانه أهل الجهل بأنهم صم بكم عمي في غير موضع من كتابه . ما أقبح الجهل يبدي عيب صاحبه للناظرين وعن عينيه يخفيه كـــذلك الثــــوم لا يشــممه آكــــله والناس تشتم نتن الريح من فيه فالجهل داءً دَوِياً ومرضاً مستحكماً قوياً ، ذمَّه الله صراحة في كتابه فقال { وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم ، قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ، إن هؤلاء متبَّرٌ ما هم فيه وباطل ما كانوا يصنعون } . وعن عطاء بن يسار قال : سمعت ابن عباس يخبر أن رجلاً أصابه جرح في رأسه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أصابه احتلام ، فأُمر بالاغتسال فاغتسل فكُزَّ فمات ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قتلوه قتلهم الله ، أو لم يكن شفاء العيِّ السؤال " . رواه الحاكم وصححه الألباني . يقول ابن القيم : ( قد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الجهل داءً ودواءَه سؤال العلماء ) . وقال سفيان بن عيينة رحمه الله : تدرون ما مثل الجهل والعلم ؟ ، مثل دار الكفر ودار الإسلام ، فإن ترك أهل الإسلام الجهاد جاء أهل الكفر فأخذوا الإسلام ، وإن ترك الناس العلم صار الناس جهالاً . عن سهل بن عبد الله التستري رحمه الله قال : الناس كلهم سكارى إلا العلماء والعلماء كلهم حيارى إلا من عمل بعلمه ، الدنيا جهل ومَوات إلا العلم ، والعلم كله حجة إلا العمل به والعمل كله هباء إلا الإخلاص والإخلاص على خطر عظيم حتى يختم به . وقال عليٌّ رضي الله عنه : كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لا يحسنه ، ويفرح به إذا نُسب إليه ، وكفى بالجهل ذمَّاً أن يتبرأ منه من هو فيه . أ . هــ . وفضل العلم أشهر من أن يُذكر ، فهو أفضل مُكتَسب وأشرف مُنتَسب وأنفس ذخيرة تقتنى وأطيب ثمرة تجتنى ، به يتوصل إلى الحقائق وبواسطته يدرك رضا الخالق . عن قيس بن كثير قال : كنت مع أبي الدرداء في مسجد دمشق ، فجاء رجل فقال : يا أبا الدرداء إني جئتك من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث بلغني أنك تحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ما كانت لك حاجة غيره ؟ قال : لا ، قال : ولا جئت لتجارة ؟ ، قال : لا ، قال ولا جئت إلا فيه ؟ ، قال نعم ، قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع ، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر " . رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم وحسنه الألباني . والعلم علامة على إرادة الله الخير للعبد ، فعن معاوية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " . رواه البخاري ومسلم . لا يفتقر كاسبه ، ولا يخيب طالبه ولا تنحط مراتبه ، وحامله الصائن له عن الأدناس عزيزٌ عند الناس ، وهو نور زاهر لمن استضاء به ، وقوت هنيءٌ لمن تقوَّت به ، ترتاح به الأنفس إذ هو غذاؤها وتفرح به الأفئدة إذ هو قواها . أجلُّ ما يُبتغى دوماً ويكتسبُ ويُقتنى من حُلَى الدنيا ويُنتخبُ علم الشريعة علم النفع قد رفعت لمــن يــزاوله بين الــورى رُتب إن عاش عاش عزيزاً سائداً أبداً لا يُستظام ولا يُشنى فيُجْتَتَبُ وإن يمت فثناءٌ سائدٌ أبداً وبعده رحمةٌ تُرجى وتُـــرتــقب إن طلب العلم لا غنى عنه لأي شاب يريد عبادة ربه تبارك وتعالى على بصيرة ، والإستقامة على دينه ، فضلاً عمن يريد الدعوة إلى دينه . ولقد كان شباب الصحابة رضي الله عنهم يدركون أهمية العلم وفضله ، ولذا حفظت لنا سيرهم المواقف العديدة من حرصهم على العلم وعنايتهم به . فها هو عبد الله بن الحارث رضي الله عنه يقول : أنا أول من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" لا يبول أحدكم مستقبل القبلة " ، وأنا أول من حدَّث الناس بذلك . هذا نموذج من المبادرة إلى سماع العلم وتبليغه ، وهو حين يكون أول سامع وأول مبلِّغ ، فإن ذاك لم يكن في مجتمع غافل لاهٍ بل في مجتمع العلم والعلماء . وكان عمرو بن سلمة ــ وهو من صغار الصحابة ــ حريصاً على تلقي العلم فكان يتلقى الركبان ويستفتيهم ويسألهم ويستقرئهم حتى فاق قومه كلهم وتأهَّل لإمامتهم ، يقول رضي الله عنه عن نفسه : كنا على حاضر وكان الركبان يمرون بنا راجعين من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدنو منهم فأسمع حتى حفظت قرآناً وكان الناس ينتظرون بإسلامهم فتح مكة ، فلما فُتحت ، جعل الرجل يأتيه فيقول : يا رسول الله أنا وافد بني فلان وجئتك بإسلامهم ، فانطلق أبي بإسلام قومه فرجع إليهم وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" قدِّموا أكثركم قرآناً " ، قال فنظروا وإني لعلى حِواءٍ عظيم ، فما وجدوا فيهم أحداً أكثر قرآناً مني ، فقدموني وأنا غلام " . رواه أحمد ، والحِواء : بيوت مجتمعة من الناس على ماء. قال جابر بن عبد الله : بلغني عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حديث سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم لم أسمعه منه ، قال : فابتعت بعيراً فشددت عليه رحلي ، فسرت إليه شهراً حتى أتيت الشام ، فإذا هو عبد الله بن أُنيس الأنصاري ، قال : فأرسلت إليه أن جابراً على الباب ، قال : فرجع إليَّ الرسول فقال : جابر بن عبد الله ؟ فقلت نعم ، قال : فرجع الرسول إليه ، فخرج إليَّ فاعتنقني واعتنقته ، قال فقلت : حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في المظالم لم أسمعه فخشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه . ولو قلَّبنا صفحات سير السلف لوجدناها مليئةً برجال سابقوا الزمان ، وملؤوه بالعلم والمعرفة ، فتخلد ذكرهم وهم بين طبقات الثرى ، قطعوا الفيافي على الأقدام لتحصيل العلم ، وساروا المسافات الشاسعة التي تتقطع دونها رقاب المطي متكبدين العناء ومشقة الطريق ، ولكن لذة العلم التي قذفها الله في قلوبهم أنستهم الطريق وبعد الشُّقة . شعبة رحمه الله يرحل شهراً كاملاً في طلب حديث واحد . وهذا أبو زرعة ومحمد بن نصر يرتحلان الليالي الطويلة طلباً للعلم . قالت امرأة لداود الطائي : يا أبا سليمان أما تشتهي الخبز ؟ فقال : يا هذه ، بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين آية . قال موسى بن إسماعيل : لو قلت لكم إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكاً لصدقتكم ، كان مشغولاً بنفسه ، إما أن يحدِّث وإما أن يقرأ وإما أن يسبح وإما أن يصلي ، كان يقسم النهار على هذه الأعمال . والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع ـ على كل أب وأم وكل من استرعاه الله رعية من أبناء المسلمين مسؤولية كبيرة وأمانة عظمى في أعناقهم في توجيه وحثِّ من تحت أيديهم على طلب العلم الشرعي وغرس ذلك في نفوسهم ، وتحبيب ذلك إليهم . وفي هذا إصلاح لهم وإنباتهم النبات الحسن ودلالتهم على طريق الخير وتحذيرهم من طرق الغواية { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } قال صلى الله عليه وسلم :" كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ، الرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها " . رواه البخاري ومسلم . وقد اعتنى السلف بتعليم أولادهم أشد العناية . ذكر الذهبي في السير عند ترجمة ربيعة بن أبي عبد الرحمن المعروف بربيعة الرأي ، أن فروخ والد ربيعة خرج في البعوث إلى خراسان ، أيام بني أمية غازياً ، وربيعة حمل في بطن أمه ، وخلَّف عند زوجته ثلاثين ألف دينار ، فقدم المدينة بعد سبع وعشرين سنة ، وهو راكب فرس ، في يده رمح فنزل عن فرسه ثم دفع الباب برمحه، فخرج ربيعة فقال يا عدو الله أتهجم على منزلي ؟ فقال : لا ، وقال فروخ : يا عدو الله أنت رجل دخلت على حرمتي فتواثبا وتلبث كل واحد منهما بصاحبه حتى اجتمع الجيران ، فبلغ مالك بن أنس والمشيخة فأتوا يعينون ربيعة ، فجعل ربيعة يقول : والله ما فارقتك إلا عند السلطان ، وجعل فروخ يقول كذلك ، ويقول وأنت مع امرأتي ، وكثر الضجيج ، فلما أبصروا بمالك سكت الناس كلهم، فقال مالك : أيها الشيخ لك سعة في غير هذه الدار ، فقال الشيخ: هي داري وأنا فروخ مولى بني فلان ، فسمعت امرأته كلامه ، فخرجت فقالت : هذا زوجي وهذا ابني الذي خلفته وأنا حامل به ، فاعتنقا جميعاً وبكيا ، فدخل فروخ المنزل ، وقال : هذا ابني ؟ ، قالت : نعم ، قال : فأخرجي المال الذي عندك ، وهذه معي أربعة آلاف دينار ، قالت المال قد دفنته ، وأنا أخرجه بعد أيام . فخرج ربيعة إلى المسجد وجلس في حلقته وأتاه مالك بن أنس والحسن بن زيد وابن أبي علي الِّلهبي والمساحقي وأشراف أهل المدينة وأحدقَ الناسُ به .فقالت امرأته : اخرج صلِّ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فصلى ، فنظر إلى حلقة وافرة ، فأتاه فوقف عليه ، ففرَّجوا له قليلاً ونكَّس ربيعة رأسه يوهمه أنه لم يره ، وعليه طويلة ، فشكَّ فيه أبو عبد الرحمن ، فقال : من هذا الرجل ؟ ، قالوا له : هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، فقال : لقد رفع الله ابني ، فرجع إلى منزله فقال لوالدته : لقد رأيت ولدك في حالة ما رأيت أحداً من أهل العلم والفقه عليها ، فقالت أمه : فأيما أحب إليك : ثلاثون ألف دينار أو هذا الذي هو فيه من الجاه ؟ فقال : لا والله إلا هذا ، قال : فإني قد أنفقت المال كله عليه ، قال : فوالله ما ضيعته . ونظم الإمام الأندلسي قصيدة طويلة يحث فيها ابنه أبا بكر على طلب العلم والزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة ، يقول :
تفتُّ فؤادك الأيــــــــــــــام فتا وتنحت جسمك الساعات نحتا
وتدعوك المنون دعاء صدق ألا يــا صـــاح أنت أريـــــــــد أنت
أراك تحب عِرْساً ذات غدر أ َبتَّ طلاقـــــها الأكيــــاس بـتَّـــــــــا
تنام الدهر ويحك في غطيط بها حتى إذا مِتَّ انتبهتا
فكم ذا أنت مخدوع فحتى متى لا ترعوي عنها وحتى ؟
أبا بكر دعوتك لو أجبت إلى ما فيه حظك لو عقلتا
إلى علم تكون به إماماً مطاعاً إن نهيت وإن أمرتا
ويجلو ما بعينك من غشاءٍ ويهديك الصراط إذا ضللتا
وتحمل منه في ناديك تاجاً ويكسوك الجمال إذا اغتربتا
ينالك نفعه ما دمت حياً ويبقى ذكره لك إن ذهبتا
هو العضْبُ المهند ليس يكبو تنال فيه مقاتِلَ مَن ضربتا
وكنز لا تخاف عليه لصاً خفيف الحمل يوجد حيث كنتا
يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددتا
فلو قد ذقتَ من حلواه طعماً لآثرتَ التعلم واجتهدتا
ولم يشغلك عنه هوىً مطاعٌ ولا دنيا بزخرفها فُتِنتا
ولا يلهيك عنه أنيق روض و لا خُوْدٌ بزينتها كلفتا
فقوت الروح أرواح المعالي وليس بأن طعمت أو شربتا
فواظبه وخذ بالجد فيه فإن أعطاكه الباري أخذتا
بعد أيام قلائل يطل علينا يوم عاشوراء ــ العاشر من محرم ــ له فضيلة عظيمة وحرمة قديمة صامه موسى شكراً لله على إنقاذه ومن معه من بني إسرائيل من فرعون وإغراق فرعون ومن معه ، وصامه اليهود اقتداءٍ بموسى ، وصامته قريش لذنب أذنبوه ، قال دلهم بن صالح : قلت لعكرمة : عاشوراء ما أمره ؟ قال : أذنبت قريش في الجاهلية ذنباً فتعاظم في صدورهم فسألوا ما توبتهم ، قيل : صوم عاشوراء العاشر من محرم . وقد اهتم النبي بصيام هذا اليوم غاية الاهتمام ، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن يوم عاشوراء فقال : ما رأيت رسول الله صام يوماً يتحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم ، يعني يوم عاشوراء ، وهذا الشهر يعني رمضان . ثم رغَّب صلى الله عليه وسلم المسلمين في صيامه ، فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عاشوراء فقال : " أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".رواه مسلم وقد عزم صلى الله عليه وسلم في آخر عمره على ألا يصومه مفرداً بل يضم إليه يوماً آخر مخالفة لأهل الكتاب في صيامه ، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه ، قالوا : يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى ، فقال صلى الله عليه وسلم :" فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع ، قال : فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية له أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم :" لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع مع العاشر ، يعني عاشوراء . والله أعلم وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم .
اضيف بتاريخ[2008-05-08]
  

http://www.saadalbreik.com/Sad/voices.php?action=listvoices&id=1

خدمات المحتوى
  • أدوات :

بين فرض و فضل

عندما تغيب عنا حقائق الدين تدخل الأعراف و العادات الإجتماعية لتحل محلها ، فإن لم تكن ما ألفناه من الإلف الإجتماعي يتدخل الهوى فتميع الحقائق و تضيع الحقوق و مما ألفناه في مجتمعاتنا العربية أننا نأخذ بجانب واحد من رأي الفقهاء و قد يكونوا قلة و ننحي جوانب فقهية لجمهور الفقهاء لأن رأي القلة هذا يوافق هوانا ، أضرب مثالاً واضحاً لهذا الأمر بالإجابة عن هذا السؤال:

ما هو حكم خدمة المرأة في بيت زوجها ؟
سوف تكون الإجابة من الجميع أنه لا محل للإعراب في هذا السؤال لأنه يجب عليها أن تخدمه ، لكن هذا رأي الذكور العرب ، لكن هذا ملخص آراء الرجال من الفقهاء اللذين يستنبطون الأحكام الشرعية وفق الكتاب و السنة :
أولاً : ذهب الجمهور إلي أنه لا يجب علي المرأة أن تخدم زوجها في بيته.!
قال ابن القيم : (منعت طائفة وجوب خدمتها عليه في شئ) . و ممن ذهب إلي ذلك مالك و الشافعي و أبو حنيفة و أهل الظاهر.
فبالنسبة للحنفية فإنهم أوجبوا علي الرجل أن يوفر لزوجته من يخدمها. قال أبو جعفر الطحاوي : (علي الزوج النفقة على زوجته فيما لا غنى بها عنه من طعام و من شراب و من خدمة بالمعروف على الموسع قدره و على المقتر قدره. و على الزوج أن ينفق لزوجته على خادمها و ليس عليه أن ينفق لها على أكثر منها من الخدم بعد أن تكون تلك الخادمة متفرغة لخدمتها لا شغل لها غيره) .
لكن هذا مقَيَّد عندهم بما إذا كانت الزوجة من أهل الإخدام و إلا فقد جاء في حاشية ابن عابدين أن المرأة  إذا كانت ممن يخدم نفسها و تقدر على ذلك لا يجب عليه إخدامها و لا يجوز أخذ الأجرة على ذلك لوجوبه عليها ديانة و لو شريفة ، لأنه عليه الصلاة و السلام قسم الأعمال بين علي و فاطمة فجعل أعمال الخارج على علي (كرم الله وجهه) و الداخل علي فاطمة (رضي الله عنها) مع أنها سيدة نساء العالمين.
و بالنسبة للمالكية فإنهم نظروا إلي المسألة من جانبين:
أحدهما حال المرأة بحيث فرقوا بين التي هي من أهل الإخدام فهذه معفاة عندهم من خدمة البيت و يتكلف الزوج بتوفير من يخدمها و بين التي هي ليست من أهل الإخدام فتلزمها خدمة البيت .
و الجانب الثاني : حال الزوج من حيث اليسرو العسر ، فيلزم الموسر وحده عندهم توفير خادم لزوجته . و في هذا قال الباجي : (عليه إخدامها إن كانت ممن لا تخدم نفسها لمالها و غني زوجها و ليس من الخدمة الباطنة في بيتها شئ و إن كانت من أهل الضعة و ليس في صداقها ما تشتري به خادماً ، فليس علي الزوج أن يخدمها و عليها الخدمة الباطنة ، و إن كان الزوج معسراً فليس عليه إخدامها و إن كانت ذات قدر و شرف) .
و لم يقبل ابن القيم الجوزية و هو من القائلين بوجوب خدمة الزوجة في بيتها التمييز بين النساء في هذه المسألة ، فذكر أنه (لا يصح التفريق بين شريفة و دنيئة و فقيرة و غنية).
و بالنسبة للشافعية فإن الإمام الشافعي ذهب إلي قول المالكية في المسألة ، غير أنه لم يراع حال الزوج المادية كما راعاها المالكية فألزمه بتوفير من يخدم زوجته إن كانت من أهل الإخدام في حالة يسره و عسره معاً فقال : ( و إن كان مثلها لا يخدم نفسها ، وجبت عليه نفقة خادم لها)  ، و قال عند حديثه عن قول الله تعالي : وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا ﴿النساء: ٣﴾ يحتمل أن يكون عليه لخادمها نفقة إذا كانت ممن يُعرَف أنها لا تخدم نفسها ، و هو مذهب غير واحد من أهل العلم .
و احتج لهذا الرأي أبو الحسن الماوردي بقوله تعالي : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴿النساء: ١٩﴾ فجعل الخدمة من المعتاد المعروف ، و بقوله (صلى الله عليه وسلم) لهند بنت عتبة زوجة أبي سفيان : (خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف) . فعد الخادم من المعروف و هو خاص بالمرأة التي يكون لمثلها خدم .
و بالنسبة للحنابلة فرأيهم في المسألة:
أن الزوجة لا تلزم بخدمة زوجها في بيته ، اللهم إلا أن يكون العرف جري علي أن تقوم المرأة بخدمة البيت فيكون الأولي أن تقوم بها ، و هذا ظاهر قول ابن قدامة : (و ليس علي المرأة خدمة زوجها من العجن و الخبز و الطحن و أشباهه ، نص عليه أحمد ،  لنا أن المعقود عليه من جهتها الإستمتاع فلا يلزمها غيره كسقي دوابه و حصاد زرعه و لكن الأولي لها فعل ما جرت عليه العادة بقيامها به ، لأنه العادة ولا تصلح الحال إلا به و لا تنتظم المعيشة بدونه).
و أيضاً هو ظاهر ما جاء في كشاف القناع : (فإن احتاجت الزوجة إلي من يخدمها لكون مثلها لا يخدم نفسها أو لموضعها و لا خادم لها ، لزمه لها خادم لقوله تعالي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴿النساء: ١٩﴾ و لأنه لا يحتاج إليه علي الدوام.
ظاهر هذه النصوص أن مذهب الحنابلة يوافق مذهب المالكية في هذه المسألة بنظرهم فيها إلي حال الزوجة هل هي من أهل الإخدام أم لا ، و يوافق قول الحنفية في القول الآخر ليس علي الزوجة خدمة البيت ، و هو معلل عندهم بأن المعقود عليه من جهتها الإستمتاع مع أنه حق مشترك بينهما .
و بالنسبة لابن حزم فإنه نفي أن يكون من الواجب علي الزوجة شريفة كانت أو وضيعة أن تخدم زوجها في شئ من أعمال البيت ، و يري استحباب قيامها بالخدمة الباطنة متطوعة فأعلن أنه (لا يلزم المرأة أن تخدم زوجها في شئ أصلاً لا في العجن و لا في الطبخ و لا فرش و لا كنس و لا غزل و لا غير ذلك أصلاً و لو أنها فعلت لكان أفضل لها و علي الزوج أن يأتيها بكسوتها مخيطة تامة و بالطعام مطبوخاً تاماً) و حصر ما يجب علي المرأة نحو زوجها في (أن تحسن معاشرته و لا تصوم تطوعاً و هو حاضر إلا بإذنه ، و لا تدخل بيته من يكره و أن لا تمنعه نفسها متي أراد و أن تحفظ ما جعل عندها من ماله) و رأيه هذا مبني علي عدم وجود نص في الشرع يلزم المرأة بالخدمة الباطنة، و إن ما ورد من أحاديث مثل حديث فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي اشتكت فيه إلي أبيها ما تلقاه من تعب مصالح البيت و عدم استجابته لطلبها بتوفير خادم لها ، و كذا حديث أسماء بنت أبي بكر الذي وصفت فيه ما كانت تقوم به في خدمة زوجها الزبير ، فلم ير فيهما حجة للقول بوجوب ذلك عليهما ، لأنه (ليس في شئ منها و لا من غيرها أنه (صلى الله عليه وسلم) أمرهما بذلك إنما كانتا متبرعتين و هما أهل الفضل و المبرة رضي الله عنهما. و نخن لا نمنع من ذلك إن تطوعت المرأة به إنما نتكلم علي سر الحق الذي تجب فيه الفتيا و القضاء بإلزامه). و قد جعلهما متبرعتين بها أيضاً الإمام النووي .
و للأمانة العلمية و الفقهية هناك رأي آخر يري وجوب خدمة المرأة في بيت زوجها يراه ابن تيمية و ابن القيم ، فيري ابن تيمية أن خدمتها في بيت زوجها تدخل ضمن المعاشرة بالمعروف بين الطرفين ، و يري كذلك ابن القيم رأي شيخه ابن تيمية .
و من الفقهاء المعاصرين اللذين يرون وجوب الخدمة من المرأة في بيت زوجها : الشيخ محمد عبده و الشيخ محمود شلتوت و الشيخ أبو زهرة و الشيخ يوسف القرضاوي ، مع إرشادهم أن يوفر الزوج لزوجته من يعينها علي أعمال البيت إذا توفرت قدرته .
و كان الشيخ محمد عبده يقول : إن المماثلة في توزيع الأعمال بين الزوجين علي المرأة تدبير المنزل و القيام بالأعمال فيه و علي الرجل السعي و الكسب خارجه و هو لا ينافي استعانة كا منهما بالخدم عند الحاجة أي ذلك مع القدرة عليه ، و هذا هو التقسيم الفطري الذي تقوم به مصلحة الناس . (الأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده ج4)
 و يري الشيخ أبو زهرة أنه : (ليس من الشرع الإسلامي في شئ قول من يقول إن المرأة ليس عليها خدمة بيتها أو القيام علي شؤونه و هو بعيد عن الإسلام بعده عن المألوف الموروث و هو حق جري به العرف في كل العصور) . و يري البعض الآخر اعتماد الفقه علي ما جري من العرف في إلزام المرأة بأشغال البيت .
هل رأيتم أنه لا داعي أن نصدر أحكاماً سريعة في مسائل فقهية و لا نعود لنسمع رأي علماؤنا و فقهاؤنا ، فإن أجرأكم علي الفتيا أجرأكم علي النار.
نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل .

التفريغ النصي لخطبة (غزة تنتصر وإسرائيل تندحر)


01-18-1434 03:56
بسم الله الرحمن الرحيمغزة تنتصر وإسرائيل تندحر
يقول الله تبارك وتعالى { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}. وقال الحق عز وجل { وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم}. غزة تنتصر وإسرائيل تندحر ، هذه هي خلاصة المشهد الذي استمر لأكثر من تسعة أيام ، من الصمود والمقاومة وتهديد عاصمة الاحتلال وضرب جنوده واستهداف طائراته، فانكشف وهنه وبان ضعفه ، على أيدي المقاومين المرابطين في غزه . جاء هذا الانتصار رغم البربرية والوحشية التي استهدفت بها إسرائيل غزة ، فقصفت المساجد ورياض الأطفال ومنازل الآمنين ، لكن عاقبة هذا الظلم عوجلت لها خزياً وعاراً وذلاً أشبه بالاعتراف بعجزها عن مواجهة المقاومة في غزة ، وفضح الله حقيقة العدو الغاصب الجبان الذي يمتلك كل أسلحة الدمار وأحدث التقنيات العسكرية وكل أشكال الدعم الدولي سياسياً وعسكرياً ومادياً ، لكنها تحطمت أمام إرادة شعب غزة الصلبة الذي استطاع بفضل الله وعونه أن يهزم الجبناء هزيمة لم يكن يتوقعها ، فوافقوا على الهدنة بالشروط التي وضعتها المقاومة ، في سابقة لم تحدث من قبل ، فمنذ العام 1948 وإسرائيل هي من يغدر ويقتل ويحتل ويوقف النار متى شاء وبالشروط التي تحقق مصالحها . هذا الانتصار أسعد الأمة كلها ، وغرس في أفئدة الأجيال الناشئة بأن الفرج آت ، وأن الطغيان مندحر ، وأن ليل الذل سينجلي مهما طال وادلهم سواده ، إذا اعتصمنا بحبل الله وثبتنا على المبادئ وتمسكنا بالقضية وسكبنا الدماء غزيرة في سبيلها . وفي هذا دروس بليغة للأمة يجب أن تعيها :أولها : تدبر قوله تعالى { وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ولنتأمل كيف ختم الله الآية بهذين الاسمين: العزيز، والحكيم، فالعزيز هو الذي لا يغالب، والحكيم في تدبيره، فإن النصر قد يتأخر، وقد يكون ثمنه باهظاً، قد تهدم البيوت، وتراق الدماء، لكن كل ذلك لا يزيد المؤمن إلا إيماناً بأن الله حكيم في تدبير أمره ، وأن النصر آت لا محالة .والثاني : تأمل قوله سبحانه { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله } فالمقاومة غي غزة لا تملك ما يملكها عدوها فنصرها الله ، لكنها تملك سلاحاً أقوى من كل أسلحة الأرض ، إنه الإيمان بالله والتوكل عليه لتحقيق النصر ، وما الصواريخ إلا أسباب أعدوها عملاً بقوله تعالى { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل } . وقد بارك الله بهذه الصواريخ وسدد رمي من أطلقها ، على رغم أنوف من زعم أنها صواريخ عبثية مقابل أعتى الترسانات العسكرية ، وبعضهم قال عنها صواريخ بدائية وصواريخ تنك لا تجرح عدواً ولا تقتل معتدياً ، لكنها صنعت بفضل الله ما لم تصنعه ترسانات جيوش بأكملها ، وحطمت إلى الأبد أسطورة الجيش الذي لا يقهر ، ودمرت نظرية "إسرائيل آمنة "وكشفت فشل نظام القبة الحديدية الذي راهنت عليه إسرائيل ، وصدقه المتخاذلون من أبناء جلدتنا ، ولم يعبأ به إبطال المقاومة في غزة.وثالثها : أن الجهاد ماضٍ إلى قيام الساعة ، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا سبيل للقضاء على المجاهدين بقوله:" لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين ، لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله و هم كذلك ، قالوا : و أين هم ؟ قال :ببيت المقدس و أكناف بيت المقدس " . رواه الإمام أحمد في المسند. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يمكن القضاء على المجاهدين بأكناف بيت المقدس، وسيبقون إلى قيام الساعة، ونتنياهو وباراك وليبرمان يقولون أنهم سيقضون على المجاهدين ، فمن منهما تحقَّق قوله؟ . الرابع : تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً ، فإن مما أثلج صدورنا الوحدة التي كانت بين المجاهدين، في حماس، وألوية الناصر، وحركة الجهاد وغيرهم الذين اتحدوا في وجه آلة البطش الغاشمة، {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .وإن ما تردد عن توجه حقيقي لرأب الصدع الفلسطيني وعودة التفاهم بين غزة ورام الله هو من ثمرات هذا الانتصار ولعله من البشائر لانتصارات أخرى إذا توحدت الجهود واتحدت البندقية صوب العدو ، وأزيلت أسباب الفرقة والاختلاف التي تنذر بالفشل {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} الخامس : { إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون } ، فالرئيس الاسرائيلي هرب إلى الملجأ من صواريخ غزة ، ورئيس أركان جيش الاحتلال أصيب بانهيار عصبي لما سمع دوي انفجار الصواريخ في تل أبيب . وأُجبر ستة ملايين يهودي على الهروب إلى الملاجئ بشكل يومي، وأصيبت دولة بني صهيون بشلل تام في الحياة الاقتصادية ، وسجل هبوط حاد في بورصة إسرائيل، إضافة إلى تكبد خزينتها أعباء مالية كبيرة.وعرضت صحيفة "هاآرتس" "الإسرائيلية" في عددها الصادر يوم الثلاثاء الماضي نتائج دراسة تكشف أن نصف الشباب "الإسرائيلي" ما بين 12 و 13 عامًا يعانون من أمراض نفسية، جراء سقوط صواريخ غزة على إسرائيل .لقد كانت ردّة فعل المقاومة الفلسطينية مفاجأة ، وتجاوزت كل توقعات حكومة نتنياهو؛ مع العلم أنَّها أخذت بعين الاعتبارات كل الاحتمالات ، لكنها لم تتصور أنَّ المقاومة يمكن أن تُقْدِم على قصف تل أبيب وعمق إسرائيل ، ومما زاد من حالة الإحباط الصهيوني أنَّ صواريخ المقاومة قد وصلت القدس المحتلة، في خطوةٍ تمثِّل ضربة للوعي الجمعي للصهاينة بأسرهم؛ لأنه أظهر فشل رهانهم على القوة في تركيع شعب فلسطين المقاوم ، وإجباره على التأقُّلم مع الخطوط الحمراء التي تحاول إسرائيل إملائها.إن الضربة القاصمة التي أراد نتنياهو بإنزالها بالمقاومة في غزة ، قد استحالت سهماً ارتَدّ إلى نحر الصهاينة أنفسهم. لقد بدت مدينة تل أبيب؛ التي يقطنها مليون صهيوني، وهي المدينة التي يطلق عليها الصهاينة "مدينة بدون توقف" في إشارةٍ إلى قوة الحركة والنشاط فيها، بدت كما لو كانت مدينة أشباحٍ، تخلو شوارعها من المارّة والسيارات، ومسارحها وحاناتها من المرتادين ، وعندها أدرك نتنياهو حجم المأزق الذي يَعِيشه الصهاينة، لا سيما أنَّ هدفه بإظهار غزة والمقاومة ذليلة منكسرة قد فشل،بل إن هذا الرد المزلزل للمقاومة بقصف تل أبيب أجبر أمريكا على التدخل شخصيا لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة وهذا لم يحدث من قبل ، وليس بمستغرب ، فأمريكا التي تؤيد بشكل مطلق العدوان الصهيوني على غزة وتضمن بشكل صلب امن إسرائيل قامت على أكبر عملية تطهير عرقي ضد الهنود الحمر. لقد استعملت الآلة الإسرائيلية المجرمة كل ما يمكنها من قسوة وحشدت كل أدواتها القمعية وتفكيرها التكتيكي والاستراتيجي لتركيع الشعب الفلسطيني على العموم وأهل غزة الباسلة على الخصوص وقد فشلت كل محاولاتها وتجاربها ، فوقف شعب غزة مواقفه البطولية المعهودة والمشهودة حتى فجر الخلافات في الداخل الإسرائيلي عن الجدوى من تلك العمليات الإرهابية والإيغال في سفك الدماء الفلسطينية. وقد عبرت هذه صحيفة هاآرتس عن الفشل الذي يلحق بإستراتيجية "إسرائيل" في مواجهة المقاومة فتقول: إن القتل غير المجدي للفلسطينيين والذي يتفاخر به جهاز الحرب الإسرائيلي يحدث فقط لإرضاء الرأي العام، في حين أن الصراع والكفاح العنيد والطويل للحرية للفلسطينيين لا يمكن أن يدحر بالقوة، كما أن التطلع إلى عملية عسكرية كبيرة في غزة كما يتحدث عنه الجنرالات والمحللون المنادون بالقتال يبعث على الغضب... فما الذي قمنا بحله من خلال ذلك؟ ... إن القتلى من مسلحين وغير مسلحين أدوا إلى زيادة التصعيد فقط، ومقابل كل كائن بارز في الجهاد ومقابل كل مطلق للقسام يستشهد يظهر على الفور سبعة آخرون. فإسرائيل استخدمت كل آلات البطش مع الفصائل ومع الشعب واغتالت الزعماء السياسيين والمجاهدين وحاصرت القطاع وقطعت الإمدادات وكل ذلك لم يفلح مع ذلك الشعب المناضل، وهو ما دفع موشيه آرنس، وزير الحرب اﻹسرائيلي السابق ليقول: إن فصائل غزة هدافها وأفق خططها تلامس الأبد ، ولا يمكن ردعها إلا بالنووي .إن انتصار غزة جعل الأمن الإسرائيلي على المحك والأمان الذي نعمت به بات مهزوزا ويتلاشى شيئاً فشيئاً تحت ضربات المقاومة. وقد باتت نظرية الموت لإسرائيل أقرب للحقيقة لكن على أيدي المجاهدين والمقاومين ، بعيداً عن كب ونفاق المنظرين والمتاجرين بالقضية الفلسطينية ، فهؤلاء لن ينالوا شرف تحرير بيت المقدس، فالموت الذي يقصدونه هو الموت الحقيقي في سوريا وفي اليمن وفي لبنان والعراق هذا هو الموت الذين يسعون لتحقيقه تحت ظل شعار الموت لإسرائيل التي عاشت في أمان مع هذا الشعار .فحزب اللات في لبنان أحقر من أن يتسلق على الدم الفلسطيني ليعيد تسويق نفسه كبطل مقاوم في الوطن العربي ، وجراح المسلمين في غزة أعمق من أن يقفز عليها هذا الكذاب . لو قارنا بين ما كتب روبرت فيسك وبين ما قاله نصر اللات حول أحداث غزة لاتضح الفرق، فروبرت فيسك كتب يلوم قومه ويذكرهم بمعاييرهم المزدوجة ويسرد لهم قائمة جرائمهم التاريخية ويستصرخ الأحرار لنصرة أهل غزة، أما نصر اللات فقد خرج مذكرًا العالم بأمجاده في حرب تموز، دون أن يوجه صاروخاً على المستوطنات ، وهو الذي يزعم ويكرر بأن تحرير فلسطين هو هدفه الأكبر ، لكن حرب غزة الأخيرة أثبتت أن نصيب فلسطين من هذه النصرة مجرد كلمات جوفاء ومتاجرة بالجراح والدماء لصالح مذهبيته المقيتة. وأما إيران فإنها تسفك الدم السني في سوريا وفي العراق ، وتتاجر بالقضية الفلسطينية وتزعم أنها تدعم حماس والجهاد الاسلامي ، وهما من الفصائل السنية ، وهذا يدلل على نفاقها الماكر . صحيح أن إيران دعمت حماس والجهاد بالأسلحة ، لكن ذلك الدعم كان لتقوية نفوذها في المنطقة وإرهاب الغرب عبر تهديد امن إسرائيل بصواريخ المقاومة . وإننا نحيي ذكاء وحنكة حماس والجهاد حيث استفادوا من دعم إيران لكن فوتوا عليها قرصة استغلالهم لمصالحها ولم يجعلوا السلاح خادماً لها ، بل جيروه لخدمة قضيتهم ، ولم يتنازلوا عن مبادئهم وثوابتهم لإرضاء الصفويين .لقد خدم السلاح الإيراني القضية الفلسطينية ، لكن هذا لا يجب أن يبيض صفحة إيران ، ولا ينفي حقدها على العرب والمسلمين وأهل السنة بالأخص ، وإذا تخلى بعض العرب عن دعم القضية الفلسطينية ، فقد سخر الله الصفويين المجوس لدعمها وإن الله ينصر هذا الدين بالرجل الفاجر أو الكافر . قال المصطفى صلى الله عليه وسلم :" يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها . فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال صلى الله عليه وسلم : بل أنتم يومئذ كثير ؛ ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن . فقال قائل : يا رسول الله ! وما الوهن ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت". أخرجه أبو داود وغيره من حديث ثوبان وصححه الألباني في الصحيحة . لقد تداعى زعماء أمريكا وأوروبا لحصار المقاومة في غزة وإنقاذ الكيان الصهيوني من الورطة الكبيرة التي تسبب بها غرور نتنياهو واعتداؤه الوحشي على قطاع غزة ، فها هي كلينتون تقطع زيارتها الآسيوية المهمة برفقة أوباما وتهرع إلى الشرق الأوسط لتنقذ إسرائيل من الموقف المتداعي الذي أوقعت إسرائيل نفسها به ولتوقف صواريخ المقاومة التي ضربت معظم المدن الإسرائيلية. كما أن المكالمات الهاتفية قد انهالت بشكل غير مسبوق من أوباما على الرئيس المصري محمد مرسي ليحثه على التدخل وإقناع حماس بقبول الهدنة . وهرع وزيرا الخارجية الفرنسي والألماني إلى إسرائيل للتضامن معها وللضغط لوقف الصواريخ الفلسطينية , وقد توج الاهتمام الغربي بإسرائيل بحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وقيامه ببذل كل جهوده الأممية لتسوية الوضع وحفظ ماء الوجه لزعماء إسرائيل .وبجانب الحرب العسكرية والدبلوماسية ، كانت الحرب الإعلامية مشتعلة ، فالإعلام الغربي المساند لإسرائيل وأذنابه من الإعلاميين العرب غضوا الطرف عن الجرائم والمجازر التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين العزل ، وركزوا على صواريخ حماس البسيطة مقارنة بما تملكه إسرائيل من عتاد حربي بري وجوي وبحري ، ليتهموها بالإرهاب وترويع الآمنين . هذا الغرب المنافق ، يغض الطرف عن قيام بعض شعوب المنطقة في وجه الطغاة في ليبيا وفي تونس ، وقبل على مضض بإسقاط النظام الفاسد في مصر ، لا يعترف بأي حق للمقاومة في فلسطين بتحرير الأرض والتخلص من دولة الاحتلال التي أفسدت في الأرض وأهلكت الحرث والنسل .لقد أرادت إسرائيل والغرب اغتنام انشغال العرب بمأساة سوريا ليصفوا حساباتهم مع المقاومة غي غزة ، وهو ما اعترف به البروفيسور إفراييم عنباري، من معهد بيغن في تل أبيب فقال : يجب على إسرائيل استغلال انشغال العرب في سوريا وتوجيه ضربة عسكرية لحماس وشل قدراتها العسكرية، واستعادة قوة الردع لجيشنا . وإن الواجب علينا قبل غيرنا أن نهتم بمعالجة الأزمة السورية بنفس الاهتمام والقدر الذي تحركنا فيه لأجل قضية غزة ، وهو حق وواجب لأهلنا في فلسطين علينا ، لكن لا يجب أن تنسينا أحداث غزة المؤلمة مآسي إخواننا في بلاد الشام . ولا يجب التعويل على الغرب ، فإن الأيام تكشف شيئاً فشيئاً حقيقة الموقف الأمريكي المتعاطف مع نظام البعث في سوريا لأنه حمى حدود إسرائيل ، وقمع أهل السنة في بلاد الشام وحارب الدين والمتدينين ، وهو حلقة مهمة في المشروع الصفوي الذي ترعاه أمريكا لزرع الفتن والقلاقل في المنطقة . فالأمريكيون أضروا بالثورة السورية أيما ضرر، ولو أنهم التزموا الصمت على الأقل لجنبوا الشعب السوري الشر الإضافي الذي تسببت به تصريحاتهم الكاذبة عن ضرورة تنحي بشار عن الحكم.فكيف وهم يؤيدون بقاءه فوق جماجم السوريين، متسترين بالفيتو الروسي ! ولنتذكر احتقارهم لموسكو عندما قرروا لجم الصرب بالقوة العاتية بالرغم من الفيتو الروسي بحكم علاقات روسيا المتطرفة بالصرب دينياً وعرقياً.فهل من عاقل يقتنع بأن واشنطن عاجزة عن الضغط على الأسد للتنحي ، أو على الأقل إنشاء منطقة عازلة لحماية المدنيين في شمال سوريا وفي جنوبها ؟. والأسوأ من كل ما سلف أن أمريكا لم تقف عند حد إعاقة أي موقف دولي فعلي يوقف مجازر بشار في الشام، فهي التي أجبرت الجميع على منع وصول أسلحة دفاعية لا هجومية للجيش السوري الحر، لتحييد سلاح الطيران الذي يستخدمه نظام البعث بغطرسة غير مسبوقة في التاريخ ضد المدن وسكانها العزل.أيها المسلمون : إن واجبنا أن ننصر إخواننا في فلسطين والشام ، ولنتذكر أن خذلان المسلم لا يجوز ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :" ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موضع يحب فيه نصرته ، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته ". 
فإذا هان علينا دم المسلم ، ولا نبالي بما يحدث إخواننا سوى بالاسترجاع وهز الرؤوس ، فإن ذلك يدل على تخاذل وانهزام نفسي وخلل في مفهوم الأخوة وتقصير في واجب النصرة ، فسفك الدم المسلم من أعظم العظائم وأكبر الكبائر ، قال صلى الله عليه وسلم: "لئن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون على الله من أن يراق دم امرئ مسلم"، وفي رواية: "لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من قتل رجل مسلم" رواه الترمذي والنسائي. فعلى كل منا أن يبذل ما في وسعه لنصرة أهله وإخوانه ، فإن العدو غاشم ومتربص وعنيد ومجرم ومتحفز للقتل في لحظة وآن. 


Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc. 

Copyright © 1437 saadalbreik.com - All rights reserved

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire